المثقف والسلطة: علاقة جدلية
“نحن في عصر أصبح من واجب الأعمال الفنية فيه أن تطلق الرصاص”
كليفورد أوديتس
تبدو العلاقة بين المثقف والسلطة جدلية، حمالة أوجه .
فصاحب السلطة يسعى بكل الأوجه إلى إخضاع المثقف وجعله يدور في فلكه، طمعا في علمه وثقافته خاصة في الدول الديكتاتورية حيث لا يكون الحاكم مثقفا بالضرورة. إذ يتبع الحاكم في أغلب الأحيان السلك العسكري أو تكون له صلات قوية بأركان الجيش مثلما كان الأمر في تونس وليبيا ومصر وسوريا.
في هذه الحالة، يصبح التقرب من المثقف ليس هدفا في حدا ذاته أو رفعا لذات المثقف بل في الغالب يسعى أصحاب الكراسي لملئ الفراغ الذاتي وتزيين الصورة ببعض المثقفين.
وغالبا ما يصنف المثقف ضمن الطبقة المتوسطة لكونها فئة وسيطة بين الطبقة العليا التي تملك السلطة والنفوذ والجاه والقرار والامتيازات والطبقة الدنيا وهي الطبقة البروليتارية من فلاحين وعمال ورعاة وحرفيين1.
وقد تدفع الحاجة المادية ببعض هؤلاء للتقرب من ذوي السلطان طمعا في منصب أو بعض هبات مادية.
ولنا في تونس،عديد الأمثلة من المثقفين الذين طالما تغنوا بمناقب « الزعيم »و »المجاهد الأكبر » و »منقذ الأمة التونسية » وتصويره ككائن خارق.
ولم يكن خلفه زين العابدين بن علي، بمنأى عن هذا الخط السلطوي.
فقد كتبت مجلة الملاحظ في أحد أعدادها عن مناقب « الجنرال بن علي » بوصفه أهم رجالات تونس ووضعت صورته إلى جانب صورة ابن خلدون .
ولنا في تاريخ تونس شعراء ومثقفون وصحفيون ومغنون لطالما تغنوا بانجازات صانع التغيير وعلمه وثقافته تزلفا وتقربا.
غير أنه لا يجب تعميم هذه الفئة. فالتاريخ التونسي يحمل في طياته صورة مغايرة للمثقف المهادِن . إذ أن بعض المثقفين عارضوا النظام الديكتاتوري مما تسبب في سجن البعض والتضييق على البعض الآخر، وفي الواقع فإن مثقفي الخارج كانوا أكثر جرأة في ذمّ النظام.
المثقف الحقيقي لديه رؤية نقدية للمجتمع الذي ينتمي إليه، وللمجتمع الإنساني الأوسع.
» لا سلطة بلا مقاومة، من داخلها ومن خارجها؛ كل سلطة تنتج أشكال مقاومتها. هنا بالضبط، أي في موالاة السلطة، أي سلطة على الإطلاق، أو مقاومتها، تتموضع الحرية، بوجهيها: الإيجابي والسلبي، وبها، أي بالحرية، تتحدد علاقة المثقف بالسلطة، وتتعين صورته، وجميع الأمور الأخرى تابعة2.
إلا أن علاقة التصادم مع السلطة لا تصمد في بعض الأحيان فعدد قليل جدا قاوم وصمد ولم يتراجع عن مبادئه.
إن المشي عكس تيار السلطة، ليس بالأمر الهين فهو يتطلب صبرا وشخصية قوية وعزيمة صلبة.
فالنضال والتصادم مع ذوي السلطان يعرض صاحبه إلى الهرسلة والتضييق والحرمان من الدعم العمومي خاصة بالنسبة إلى الأدباء والمسرحيين والسينمائيين.
,يصبح الدعم المادي وسيلة ضغط تمنح للمادح وتمنع عن المعارض.
إذن اعتادت السلطة دائما ان تقوم بدور المتحدث، وعودت الناس ان يقوموا بدور المنصت لها، فيما المثقف يعدّ نفسه الاكفأ بالتحدث والاصدق..فتخشاه لأنه اقرب منها نفسيا للناس.والسلطة تعدّ قناعاتها هي الصحيحة لأنها ناجمة، في رأيها، عن (طبخة)ناضجة وعملية جمعت كل مكونات القضية، فيما (طبخة) المثقف ناقصة في رأيها، ولهذا فانها لن تستمع لرأيه حتى لو كان يمنح (طبختها) طعما طيبا.. الا اذا كان حلوا في فمها. والسلطة تميل الى التعميم وتعمل على ان تشيع ثقافة تنتج افرادا بالمواصفات التي تريدها هي، فيما المثقف يميل الى التفريد ولا يضع للثقافة مواصفات او حدودا. والمثقف ناقد بطبيعته لا سيما للجوانب السلبية، فيما السلطة بطبيعتها لا تحب من ينقدها. والسلطة تشعر بالنقص الثقافي امام المثقف ، فتتولد لدى كليهما عقدتان سيكولوجيتان متناقضتان: الشعور بالنقص والاستعلاء..فهل بعد هذا،ياترى،سيلتقي الجبلان؟ 3!
جميلة العباسي
المصادر
——-
1- جميل حمداوي -الحوار المتمدن-العدد: 1805 – 2007 / 1 / 24 – 12:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
http://www.assuaal.net/
2- جاد الكريم الجباعي
المثقف والسلطة http://alalemya.com
3- السلطة والمثقف..هل سيلتقي الجبلان؟
تعليقات
إرسال تعليق