الإعلام بين المطرقة والسندان
يحكى أن شابا اشتغل راعي غنم لدى خالته، وهو يحلم بأنها ستعطيه أجرا عاليا وفي الآن ذاته الخالة تتصور أن ابن أختها سيعمل لديها مجانا. ويقول المثل " هو يقول سعدي بخالتي باش تغنيني، وهي تقول سعدي بابن أختي باش يخدمني بلاش".
يستحضرني هذا المشهد كثيرا وأنا أتابع علاقة الإعلام بأهل السلطة في بلدي الحبيب تونس.
أصحاب القرار يأملون في اهتمام إعلامي وتسويق أكثر لبرامجهم السياسية وفي المقابل، أهل الإعلام يتوقعون من السلطة تعديل المشهد الإعلامي دعما لاستقلالية السلطة الرابعة وبين هذا وذاك يظل المواطن التونسي حالما بإعلامي عمومي يعبر عن واقعه وأحلامه.
قبل 14 جانفي 2011، لم يكن بوسع التونسيين على اختلاف مستوياتهم نقد السلطة بأي شكل من الأشكال. فالنظام السابق أساء إدارة ملفي الأمن والإعلام لصالحه، فكانا بمثابة طرفي كماشة، كلما تململ طرف ما، أطبق عليه بهما كي لا يواصل في التحرك أكثر.
وبعد هذا التاريخ، أفاق التونسيين على واقع جديد وكثر الحديث عن العدالة الانتقالية التي تعتمد بدورها على المؤسسات الأمنية والقضائية والإعلامية فهي ملفات مترابطة.
وانصب الاهتمام في فترة ما بعد 14 جانفي على المؤسسة الإعلامية بوصفها أحد أعمدة الديمقراطية التي تعيش على وقع الانتقال والديمقراطية.
انتقاد رسمي لأداء الإعلام في تونس
بعد مضي سنتين ونيف من ثورة 14 جانفي، اتضح أن مشهد الإعلام التونسي يعاني من عديد الإشكاليات بعد حل وكالة الاتصال ووزارة الإعلام الذي خلق فراغ رهيبا زيادة على عدم تفعيل المرسومين عدد 115 و116 فضلا عن إشكالية الإعلام العمومي والحكومي؟.
يشار في البداية، إلى أن عددا من السياسيين في الحكومات السابقة وخاصة بعد انتخابات 23 أكتوبر قد عبروا عن تذمرهم من الإعلام وعدم متابعته للأنشطة التي يقومون بها.
وتتالت تصريحات السياسيين غير المتقبلة لأداء الإعلام، حيث اقترح عضو المجلس التأسيسي عن حركة النهضة السيد عامر العريض، خلال نزوله ضيفا على القناة الوطنية في برنامج حق الاختلاف على القناة الوطنية، تنظيم استفتاء حول خوصصة الإعلام.
كما صرح راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة، في فيديو مسرب أن الإعلام في تونس غير مضمون وهو تحت سلطة العلمانيين كما صرح في برنامج "ستوديو شمس" إن الإعلام لا يقوم بدوره الإعلامي بل هو يقوم بدور سياسي، وصرّح في هذا السياق قائلا “الإعلام حزب معارض”.
وفي السياق ذاته، قال المستشار السياسي السابق لدى رئيس الحكومة السابقة لطفي زيتون لإذاعة "شمس أف أم"، أن أغلب وسائل الإعلام تقوم بدور المعارضة مشيرا إلى النقص الكبير في التعددية و التنوع في المشهد الإعلامي.
غير أن هذه التهجمات المتكررة للسياسيين لا يمكن أن تخفي غياب سياسة واضحة للإصلاح ترجم بنقص في الاتصال الحكومي وغموض في توجهات "الترويكا" الحاكمة في ميدان الإعلام، فضلا عن تملصها من الاستفادة من الخبرات المهنية السابقة، إذ قوبل تقرير هيئة إصلاح الإعلام والاتصالInricبصمت تام.
استياء شعبي من أداء الإعلام في تونس
إن غياب أو تغييب عنصر من عناصر المشهد الإعلامي يستدعي آليا عناصر جديدة تأخذ مكان الأولى، فالطبيعة لا تقبل الفراغ. وبالتالي ليس هناك فوضى أوانفلات إعلامي بل هو انفلات وظيفي نحو خلق بيئة جديدة للإعلام.
في فترة ما كان التونسي يلجأ إلى وسائل الإعلام الأجنبية كالجزيرة وفرنسا 24 و"البي بي سي" للحصول على المعلومة. غير أنه، وبعد 14 جانفي، المواطن التونسي هجر تلك القنوات مقابل الإقبال على القنوات التلفزية المحلية المتزايدة، وصار بوسعنا الجزم بأنه من أهم مكتسبات الثورة حرية التعبير والإعلام.
وبالرغم من اتساع فضاءات الحرية، إلا أن أداء وسائل الإعلام لم يرق في أحيان كثيرة إلى مستوى انتظارات المواطن التونسي، وصار البعض ينتعه بإعلام العار وإعلام أيتام بن علي والإعلام البنفسجي وتكررت حملات المناداة بتطهير الإعلام عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو عبر المسيرات الشعبية والاعتصامات أمام مقر التلفزة التونسية.
ويتعرض الإعلام التونسي -خاصة العمومي- لموجة من الانتقادات تتهمه بعدم القدرة على التجديد والتطوير وأحيانا بالانحياز الواضح.
يرى البعض أن فشل الإعلام العمومي أدى إلى تغول الإعلام الخاص المرتبط بالأنظمة الرأسمالية، وهي مقاربة إعلامية ليبرالية ترتكز على طلب السوق للاستهلاك السريع "العلكة الإعلامية".
وفي ظل غياب صحافة الصحافي وقيام بعض الصحفيون بأخطاء مهنية، سيطرت صحافة المواطن والجمهور. وبرزت توجهات جديدة للإعلام حيث تحولت الصحافة الالكترونية من دور نضالي إلى صحافة مجتمعية، وأصبح المواطن يقظا وفاعلا غبر الشبكات الاجتماعية ووسائل الاتصال الحديدة وصارت الشبكات الاجتماعية هي المسيطرة.
إشكاليات المشهد الإعلامي يبدو أن الحكومة لم تقدر جيدا صمود الصحفيين حيث تواصلت عقلية التسميات على رأس المؤسسات الإعلامية وتغييب الصحفي من هيئات التحرير ومن مجالس الإدارة في المؤسسات الإعلامية. وأبرز مثال لرفض هذه الممارسات إضراب 17 أكتوبر وإضراب دار الصباح.
وعلى أرض الواقع، يعيش القطاع غموضا تاما وفوضى إعلامية مند الثورة حيث تزداد عدد الإذاعات والتلفزات جديدة في ظل عدم توفر مادة تشريعية منظمة. وتتواصل محاولة صياغة مشاريع بديلة في الخفاء وانتهاك التشريعات وتعطيل مشاريع القوانين :المرسومين 115 و116 وفصل 41 المتعلق بحرية الوصول إلى المعلومة الذي لا يطبق في الواقع.
ويشير الإعلاميون إلى أن هناك مسائل استعجالية تهم تمرير قانون صحافة قمعي ودسترة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بشكلها الخالي إلى جانب التخوف من تحول الهيئة إلى دور وزارة الإعلام سابقا.
كما ترصد جمعيات الدفاع عن حرية التعبير والنقابة الوطنية للصحفيين تكرر حالات والتعدي على حرمة الصحفيين.
وتعيش للصحافة المكتوبة واقعا مريرا مع تواصل سيطرة نفس الأسماء على التوزيع في تونس وغياب سياسة واضحة للإشهار العمومي.
أزمة ثقة بين الإعلام والسلطة قال نزيهة رجيبة، الكاتبة الصحفية، أن هناك مبالغة في التحرر من كل الأخلاقيات بعد 14 جانفي وأنها رصد خطابين للإعلام واصطفافا سياسيا، إعلاما أزرق نهضويا وإعلاما أحمرا مواصلا للنظام القديم وقالت أنه أمر مستهجن أخلاقيا ولا يحترم روح الثورة ومرده "عودة الخوف ونقض منسوب الشجاعة" وقالت "الصحافة لا تؤمن الخبز. ومن يريد الحفاظ على خبزته فليفتح محل بيتزا" في إشارة إلى روح الصدام التي يعيشها الصحفي مع السلطة.
وجاءت هذه التصريحات لدى مشاركتها في ورشة عمل نظمتها جمعيّة "يقظة من أجل الديمقراطيّة والدولة المدنيّة" بالتعاون مع منظّمة "الدعم الدولي للاعلام"(IMS) ، حول سبل إرساء شراكة من أجل كسب التأييد لقضيّة حرّية الاعلام في تونس يوم 16 أفريل الجاري.
كما انتقدت خطاب الأحزاب الغير مؤمنة بالديمقراطية والتي حصلت على تأشيرة قانونية.وأضافت إن غياب ثقافة ديمقراطية يؤدي إلى مظاهر العنف السياسي والاغتيالات التي نراها في تونس.
وكان الأستاذ والباحث في علوم الاتصال، العربي بن شويخة، أكد أن مشكل السلطة مع النخبة أن المفاهيم لا تدل على نفس الدلالات. وقال "نحن الحقوقيون مرجعيتنا هي القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة" وكان ذلك يوم 14مارس 2013، إبان اليوم الأول لورشة العمل التي نظمها معهد الصحافة وعلوم الإخبار بالتعاون مع جامعة منوبة وجامعة ميونيخ الألمانية ومؤسسة Mict الألمانية تحت عنوان " الإعلام والاتصال في تونس في الفترة الانتقالية ".
التحديات أمام الإعلام في الفترة الانتقالية يحاول أهل الخبرة والاختصاص عبر مختلف المنابر والحوارات والأنشطة العلمية المختصة الدعوة إلى تكريس القوانين والتشريعات الضامنة إلى امتلاك إعلام عمومي خاصة ,ان البلاد مقبلة على استحقاق انتخابي سيحدد مصير البلاد لمدة ليست بالهينة.
وتركز أهم التوصيات المنبثقة عن الأنشطة المذكورة على تطوير أداء الإعلاميين وتحسين آليات التدريب المهني فضلا عن البنية التحتية التقنية والمهنية والقانونية، فوجود نصوص سيئة أفضل من غياب التشريع والفراغ القانوني.
كما يدعو البعض إلى ضرورة توحيد استراتيجيات العمل الإعلامي ودعوة الصحفيين لتبني قضية تطوير الإعلام عبر تشريكهم في مختلف الفعاليات المتعلقة بالقطاع.
ودعا المشاركون في ورشة عمل تهم "سبل إرساء شراكة من أجل كسب التأييد لقضيّة حرّية الإعلام في تونس" يوم 16 أفريل الجاري، إلى الشراكة مع المجتمع الدولي وإعادة إحياء مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير التي نشطت بتونس من 2004 إلى 2012 علاوة على توسيع دائرة التشريع والانضمام إلى المعاهدات الخاصة بتجريم التعدي على حرية التعبير واعتماد المعايير الدولية في المجال.
ودعت نزيهة رجيبة، أم زياد، في الورشة ذاتها إلى تكوين تنسيقية لدعم حرية الإعلام والبحث عن طرق مبتكرة على غرار حملة المعدنوس ودعت أيضا إلى الاحتفال بيوم 3 ماي بطريقة مغايرة عبر تنظيم أنشطة تطبيقية سمعية-بصرية ومطويات وولاعات وحوامل مختلفة
ونبهت نزيهة رجيبة إلى ضرورة التركيز على البحث والتوثيق والمراقبة عبر مختلف جهات الجمهورية عبر عقد ندوات تحسيسية. وشددت على مواصلة النضالً،عبر مساءلة السلطة التنفيذية والسعي إلى الحصول على دعم نواب التأسيسي الداعمين لحرية التعبير.
الأفاق المطروحة أمام الإعلام باعتباره سلطة رابعة
في الأخير، لابد أن نشير أن هناك أخطاء من الجانبين ولتجاوز هذا الإشكال لا مناص من الحوار بين الإعلام والسلطة بدل التصادم.
وفي هذا السياق، أصبح من الضروري إعادة هيكلة الإعلام التونسي عبر توسيع دوائر الاهتمام وفتح آفاق جديدة خاصة وأن الساحة الإعلامية تفتقد التخصص والتفرد.
في تونس هناك تواصل وتكامل بين الثقافة والاتصال.ويمكن الاستئناس بتجربتي فرنسا والمغرب حيث نجد وزارة الثقافة والاتصال.
لا بد من نظرة جديدة للاتصال تشمل البعد الثقافي والسوسيولوجي حيث يمكن توظيف تكنولوجيات الاتصال في السياحة والبيئة وسائر أوجه الحياة.
جميلة العباسي- ماجستير اعلام الكتروني
تعليقات
إرسال تعليق